أخبار الموقع

قراءة الذات أولا - 1

قراءة الذات أولا - 1

"العالم يبتدىء من عتبة بيتي وبيئتي بوابته"!

 لعلها الجملة الوحيدة التي سرقتها هنا عمدا من شاعر داغستان الكبير رسول حمزاتوف! 

أشعر بارتكاب خطيئة كبرى، حين أحاول القفز  إلى العالمية، قبل أن أقرأ وأعي وأفهم ذاتي الموغلة في المحلية!  

بالتأكيد ستكون محاولة سفسطائية، مرتبكة ومتخبطة ونتيجتها الفشل! 

قراءة الذات أولا، والالمام بتفاصيلها وموروثها الحضاري والثقافي والفكري، بوابتي الوحيدة للولوج إلى الآخر، وقراءته، وتقييمه! 

لا أحتاج إلى استعارة خيال شكسبيري، لكتابة سيناريو مسرحي يمني، أو نظم قصيدة غنائية، قبل أن أستمتع بمشاهدة مسلسل "دحباش" وكوميديا "شوتر وزنبقة" أو أطالع إحدى روايات "علي باكثير"، أو رائعة من روائع البصير الخالد "عبدالله بن صالح البردوني"، وقد أستحضر أجواءً خياليةً ريفية عتيقة، من إحدى معلقات العملاق مطهر الإرياني وديوانه "فوق الجبل"!

قبل أن أكتب قصيدة غزلية، أتلمس أشجار اللوز المزهرة، أتفيأ ظلالها، أثمل خيالي بعنقود عنب رازقي خمري اللون والمذاق، ربما اقتطفته خلسة من إحدى جنائن العم "حمود الحشيشي" في لحظة، كان هاجسي حينها مشحوناً بجرعةِ عشقٍ حمينيةٍ لإبن شرف الدين، أسكرت بدورها مفردات غرامي بجمال أميرة تهامية فاتنة "صادت فؤادي بالعيون الملاح"!

لا أتطفل على أشجار الصنوبر، وأزهار اللوتس، وحدائق الكرز والتوت!،  جميعها مفردات مجهولة، وغير موجودة أصلا في بيئتي الحقيقية، أو حتى في موروثي الأدبي، ومن المعيب أن أحشرها -عبثا- في بيئة قصيدة غزلية لا تنبت سوى الأعناب، والرمان، و أغصان القات، والبان، والأثل والعثرب، وشيء من سدر قليل!

النورس، الإوز، الزرافة، العنقاء، أسماء طيور  وحيوانات غريبة عني وستظل في نظري أيضا -وهمية مجازية- وغير مُعترَفٍ بها من قِبل  قافيتي الغزلية مطلقا، -ربما قبل أن أستهلك كل أسماء وتشبيهات طيور وحيوانات العربية السعيدة!-  لذا لا أدعها، ولن أدعها تزاحم مساحة "القُمري و القطا و الحَجَل والحمام والبلابل على ترويسة أي من أبيات قصائدي العاطفية، كما لن أقحمها عبثا وتكلُّفاً -كما قلت سابقا-  في أعشاش وحظائر ذاكرتي التشبيهية،  لمحبوبتي المليحة البكر، التي تشبه عيناها الكحيلتان الناعستان عيون المها البعدانية الشرود، فيما يوازي قوامها الملفع المسحوب بانسياب، "جولبةً أليفةً" واقفةً بزهو  على "جُبا"  قصر غمدان الأعجوبة!

لا يلزمني قراءة الحب في زمن الكوليرا، ولن أقف شحَّاتاً بين يدي "غابرييل ماركيز"، ليمنحني بعض مفردات التغزل بأميرة سبئية يافعة باسمة، ترنو إلى الشمس من شرفات عرشها العظيم، فيقطر من بين ثناياها أحلى وأصفى وأعذب حب عرفته الدنيا!

أثناء كتابتي لقصيدتي الغزلية، غالبا ما يكون الجو من حولي عابقاً ثملاً، ملوناً بأنغامِ أوتارٍ متناسقةٍ شجية، تتداخل لحونها بسلاسة، ما بين دانٍ حضرمي عتيق، و بالاه صنعانية ناغمة والهةٍ، وسلمٍ قمندانيٍ راقص ٍ، أو زفة تعزِّية صبرِّيةٍ شجية ٍتختطف قلوب وألباب كل الشباب أمثالي، وما أعذبه من اختطافٍ وأحلاها من زفة!

الحارثي، السنيدار، أيوب، بلفقيه، السِّمه، كُعدل، منى علي،.. ثريا سباعية لأنجم طربي الأول، أشعر بقربهم جدا -حد التماهي- من مزاجي وذوقي وذائقة ذاتي الفنية!، ولأنني أتشارك معهم بيئة عشق واحدة، وثقافة غزلية واحدة،  فلا أجدني -عند ارتشافي لقهوة الصباح- بحاجة إلى "نهاد حداد" لتطربني ب "نسم علينا الهوى" ما دام العود السنيداري الآسر يضارع حنجرة صادحة  بمواويل ملحمة الريف الإريانية الخالدة: 

 

 ما أجمل الصبح في ريف اليمن حين يطلع ..

 ما احلى وما اصفى هواه

 

لما يصفق لإبداع الطبيعة ويرفع ..

لها روايع شذاه 

 

وازهار تفتر عن لون الثنايا المشعشع..

وعن ورود الشفاه 

 

ما احلى العقيق اليماني فوق سندس توزع ..

في كل وادي تراه...

 

 وهكذا  .. فحين أخلد للنوم، ولما أنتهي من كتابة قصيدتي الغزلية المفتوحة على خيالٍ شاعري لا متناهِ فإن نجواي الشاعرية العاشقة، لا تحتاج إلى أطلال كوكب الشرق، فضلا عن سواح عنادل الفراعنة، وما شابههما من المشاهير.. ك "شاكيرا وجاكسون وغيرهما!

حسبي..  أن أغوص في مناجاة، الحبيبة بمعية ذكرياتٍ -أيوبية فضولية-  كفيلة باستجلاب أحلامي السعيدة: 

 

أذكرك والليالي .. غامضات النجوم 

والسما مستضيفة .. ساريات الغيوم 

والقمر قد توارى في السحايب يعوم

والهواجس بقلبي .. ساهرة لا تنوم

 

 .....   ....  يتبع غداً

ليست هناك تعليقات